تفسير الاحلام tafsir al ahlam والعصر الحديث

هل تفسير الأحلام مجرد خداعات، أم أنها تكشف عن ارتباطات هامة ذات معنى فيما بين الأفكار؟ منذ أن بدأ الفلاسفة يتدبرون هذه المسالة ونحن نجد أتباعاً لكل وجهة نظر من هاتين. ولعلنا نستطيع أن نتخيل سيجموند فرويد وقد كتب الجملة الآتية المأخوذة من جمهورية-أفلاطون "... الواقع 

أن لدى كل فرد منا، حتى أولئك الذين يحظون بأكبر التوقير وأرفع الاحترام، مجموعة من الرغبات الفظيعة الوحشية التي لا تتقيد بقانون، وهذه الرغبات لا تكشف عن نفسها فيما يبدو إلا أثناء النوم. 7)" ) على حين أن أرسطو يعتقد أن الأحلام هي مجرد بقايا أو مخلفات من الانطباعات الحسية، عرضية وكأنها "الدوامات التي

نراها كثيرا في الأنهار.. والتي يكون لها نمط لا يتغير، والتي نراها مع ذلك وقد تغيرت إلى أشكال جديدة بفعل ما تواجه من بعض العوائق تم)." ) 

 

 

في هذه الفقرة يقدم لنا أرسطو نظرية لتفسير أسباب الأحلام، نظرية كان يعتز بها الوضعيون من أبناء القرن التاسع عشر. ذلك أن المدرسة العلمية في علم النفس في القرن الماضي لم تكن تولي دراسة الأحلام إلا قليلا جداً من الاهتمام. ولذلك كتب العالم والفيلسوف الألماني فخنر Fechner) ) بازدراء عن تفسير الاحلام يقول "وكأنها (الأحلام) قد تحول فيها النشاط النفسي عن مخ رجل عاقل إلى مخ رجل مجنون 9) ." ) فالأحلام ينظر إليها هاهنا على أنها آثار أو متخلفات عن انطباعات حسية تم استقبالها خلال ساعات اليقظة وعلى أنها نتائج لتغيرات في أوضاع الجسم تحدث أثناء النوم. كما فسروا غرابة الصور التي نراها في الأحلام بأنها تعود إلى تدني مستوى النشاط العقلي في النوم تفسير الاحلام tafsir al ahlam ، وهذا التدني يظهر بحسب كلام موري ( Maury ) في "طائفة كبيرة من التدنيات في القدرات العقلية والذهنية 10)." ) لكنه ينبغي أن يقال إن أمثال هذه الآراء والأفكار أدت بالناس إلى إجراء تجارب فعلية تم فيها دراسة تأثير المثيرات الحسية على تفسير الاحلام والرؤى، ولكن تفسير النتائج كان أمرا غير دقيق ولا مقبول. ولعله من الطريف أن نقرأ اليوم رواية فرويد عن نتائج موري: 

1 - تمت دغدغة شفتيه وطرف أنفه بواسطة ريشة من ريش الطيور ورأى في المنام أنه يتعرض لنوع سريع من التعذيب. 

 2 - تم شحذ مقص على أداة معدنية وبالتالى سمع الأجراس تصلصل، تعقبها أجراس الإنذار ووجد نفسه يعود إلى أيام الطفولة. 

3 أسقطت قطرة من الماء على جبهته فوجد نفسه في إيطاليا، والعرق يتصبب منه بغزارة عنيفة وهو يشرب الشاى الأخضر. 

 

 وفي السنوات القلائل الأخيرة بدأ العلماء يفيدون من التطورات الجديدة في علم الينوروفسيولوجيا لتفسير الأحلام. وبحسب واحد من الفروض 

الجديدة، نجد أن المثيرات الحسية الخارجية لا تلعب الدور الرئيسي، وإنما نجد أن حالة الحلم تنشأ عن نشاط المخ نفسه. فقد ذهب اثنان من أطباء الأمراض العقلية الأمريكيين ممن يتابعون ابحاث النوم وهما روبرت ماك كارلي ( Robert Mecarley ) و(آلان هوبسون Allan Hobson ) إلى أن صور الأحلام وتغيرها المفاجئ أثناء نوم الحركات السريعة للعينين إنما تنشأ عن تنشيط يحدث في الشبكات العصبية المرتبطة بالبصر وبحركات العين وينكر اقوال ابن سيرين والنابلسي. وفي رأيهما أن انطباعات الحركة في الأحلام تنشأ عن استثارة المناطق الحركية من المخ، على حين أن العناصر الانفعالية وذكريات الماضي تكون متصلة بمناطق أخرى من المخ الأمامي. والسبب فيما يلاحظ من غرابة خبرات الأحلام إنما ينشا عن التنشيط المتزامن لأجهزة مختلفة من المخ، الأمر الذي يترتب عليه أن يتلقى المخ معلومات متعددة متناقضة. 

 والأحلام في مجملها تعتبر عندئذ ممثلة لهذا المزيج من العناصر المتعددة، لكن الذي يؤسف له أن من العسير تمحيص صحة هذا الفرض في التجارب، وأضف إلى ذلك أن النظرية قصد بها إلى تفسير الأحلام المرتبطة بنوم الحركات السريعة للعينين فقط، وأمثال هذه النظريات تنظر إلى الأحلام بصفة عامة على أنها ظواهر إضافية لا معنى لها ناشئة عن النشاط العصبي. وهم يقولون أن كل ما يمكن أن يفيد فيه تحليل الأحلام هو أن يزودنا بالمعلومات عن كيفية أداء المخ لعمله.