ويحدثنا فرويد أن النوم الذي يخلو من الأحلام هو أحسن أنواع النوم بل قل النوع الحسن الوحيد من النوم. فهل نحن نستطيع حقا أن نميز بين "نوم يخلو من الأحلام" و "نوم للأحلام؟" إن الباحثين في النوم يشيرون أحيانا إلى نوم الحركات السريعة للعينين في شيء من الترخص والتساهل على أنه "نوم الأحلام،" بسبب أن الأحلام وتفسيرها تذكر في ثمانين بالمائة من الحالات عندما يتم أيقاظ المفحوصين من هذه المرحلة. لكن التجارب قد أظهرت مع ذلك أننا إن قلنا إن نوم الحركات السريعة للعينين هو وحده نوم الأحلام لكان قولنا هذا مبالغة في التبسيط المخل، بسبب أننا عندما نوقظ المفحوصين من نوم انعدام الحركات السريعة للعينين نجدهم كانوا يحلمون بنسبة تصل إلى أربعة وسبعين بالمائة من الحالات. و يمكننا أن نقول أن الأحلام في هاتين المرحلتين من مراحل النوم تنزع إلى أن تكون مختلفة متفاوتة وإذ أن ما يسرد من أحلام في نوم الحركات السريعة للعينين يكون بصفة عامة أكثر حيوية وأكثر تعقيداً وغرابة وأكثر حظا من الانفعالية من تلك الأحلام الخاصة بنوم انعدام الحركات السريعة للعينين
وتنتشر وتسود فيها العناصر العقلانية الواقعية المشابهة لأفكارنا في اليقظة، وقد تمكن الباحثون الذين ما كانوا يعلمون شيئاً عن مراحل النوم التي نحصل منها على تقارير حركة نوم العين السريعة وعلاقتها بتفسير الاحلام من التمييز فيما بين أحلام نوم الحركات السريعة للعينين وأحلام نوم انعدام الحركات السريعة للعينين على أساس من محتوى الأحلام أو مضمونها ومع ذلك نجد أن جون آنتروبوس John Antrobus) ) الباحث الأمريكي في النوم والأحلام يرى أن الفرق الأساسي بين الأحلام في المرحلتين إنما يكمن في طول الأحلام لا في محتواها. وفي رأيه أن الأحلام الأطول التي يتميز بها نوم الحركات السريعة للعينين تتيح فرصة أكبر للعناصر المبهجة المثيرة من الأحلام القصيرة التي تتخلل نوم انعدام الحركات السريعة للعينين. وهذه الفروق بين الأحلام في الطول يمكن أن تنشأ من الحقيقة المعروفة وهي أن التذكر بعد الاستيقاظ من نوم الحركات السريعة للعينين يكون أفضل من القدرة على التذكر بعد أن يستيقظ من نوم لم تكن تتخلله حركات سريعة للعينين.
ثم إن العلاقة بين الأحلام ومراحل النوم تنطوي على جانب آخر مشوق: وهو أن الخبرات الشبيهة بالأحلام لا يقتصر وقوعها أثناء النوم بالليل فقط وإنما هي تحدث كذلك أثناء دخولنا في النوم أي حين يغلبنا النعاس وأثناء الاستيقاظ كذلك. وقد وصف لنا الكاتب النمساوي روبرت موسيل Robert Musil) ) في مذكراته ذلك الإحساس الغريب من التأرجح فيما بين عالمي التفكير والأحلام والذي يمكن أن نخبره عندما نستيقظ ببطء قائلا: "أفكار الأحلام.. خبرتها في نفسي مرة ثانية في وقت مبكر من صباح اليوم. معظم هذه الأفكار نسيتها لسوء الحظ. كانت وسطاً بين الأفكار والأحلام، ولكن إرادتي كانت تسيطر على مجرى الأمور على نحو ما وكأننا وسط النهار. كانت هذه الأفكار تدور حول النيكوتين. كنت قد استيقظت، وإحساس معين في جسمي جعلني أبدأ أفكر في ألا أدخن إلا القليل في اليوم الذي أبدأه. ثم انجرفت عائدا وأنا نصف نائم، ثم فجأة تنبه ذهني مرة ثانية، وكأن الرغبة في أن أثبت شيئا ما في ذهني قد أيقظتني. لقد كانت كلمة مرعبة عن آثار النيكوتين والآن وبعد انقضاء عدة ساعات أجد أن كل ما أستطيع تذكره هو صورة لنموذج للجسم البشري مصنوع من الأسلاك أو الخيط، كذلك الذي نراه في دروس الهندسة، وقد بدا المخ فيه متشبعا، وقد كانت هناك كلمة تعني ذلك، كلمة لها وقع شديد مرعب، وأظن أن الذكرى الأولى لهذا الأمر لم تكن تختلف عن ذلك، وكل مااستطعت اللحاق به هو ذيل الخبرة أو ما يتخلف منها عند الاستيقاظ، كما هو الحال معي في أكثر الأحيان".